Huda Almubarak

Archive for مارس 2008

في أغلب أيام حياتنا تكون في بالنا أفكار، بالأحرى أن عقلنا البشري لا يتوقف عن التفكير وكيفية وماهية هذا التفكير يختلف من شخص إلى آخر..

ففي الليلة الماضية كنت أشعر بأن كل جزيء من الهواء حولي يحمل فكرة معينة، منها ما سأقول.. وما سأفعل.. وما سأكتب.. كنت أشعر وكأن على جانبي كتفيّ صوتان صغيران يهمسان في أذنيّ أحدها يقول: انهضي من السرير واكتبي، والآخر يقول لي بهدوء: نامي.. فلن تأخذي كفايتك من النوم صباحا.

ولأني كنت متعبة ولأن في الصباح يوم دراسي جديد انتصر سلطان النوم على سلطان الكتابة.

في بالي عدد كبير من الأفكار التي أريد أن أكتب عنها وكان في بالي الليلة السابقة ما أريد كتابته وحتى تكوين الجمل وترابط الأفكار، ولكن الآن لست أملك سوا الأفكار وطرق ترجمتها للأسف ضاعت.

مشاغل حياتي أبت إلا أن تُقلّص من نشاطاتي في الأعمال التي أحب القيام بها. كيف سأستطيع أن أواجه هذه المشاغل وأقوم بما أريد القيام به؟ هذا الذي لا أعرف له سبيلا!!

الأوسمة:

يقال ان الطبع يغلب التطبع، وأيضا يقال أن الحبة تطلع على البذرة. كثير منّا يخاف من تأثير البيئة على سلوكه ومنهجه وحتى طرق التفكير. فببساطة لو زرعنا بذرة في إحدى مزارع القصيم وزرعنا نفسها في أرض الأحساء مثلا لحصدنا نفس النوعية الزراعية بمواصفات مختلفة قليلا وبوجود تفاضل ولو بشيء يسير فيما بينهما.

ولكن هل هذه البيئة تؤثر على الإنسان من ناحية الطبع أو طريقة التصرف. فنأخذ على سبيل المثال، إنسان عربي بدوي كان أجداده يعيشون بالغفار وهو الآن يسكن المدن ويستمتع بكل تسارع ونبض الحياة الحديثة، إلا أننا نجد أنه لا يزال يملك تلك الصفة التي تميز الصحراء. جميلة بل ان جمالها خلاب إلا أنها صعبة قوية لا تهزم بسهولة. وهذا وصف سريع لطبع الإنسان البدوي.

قيل لي ذات مرة أنك بمزاجك المتقلب الذي لا يعرف له، ما هو إلا صفة مكتسبة ومتأثرة من البيئة البحرية المتقلبة. ربما قد يكون هذا الكلام سليم وقد يكون مجرد ربط ليس له أساس من الصحة. ولكن ما جعلني أقف عند هذه الفكرة هي دراسة قرأت عنها وهي وضع رجال من ذوى العضلات والأجسام من الفحول في غرفة فترة من الزمن ثم أخراجهم ووضع بنات صغيرات فإنهن سيتصرفن بعنف كبير قياس لمثيلاتهن اللاتي وضعن في غرفة كلها نساء!! هذه الدراسة صحيحة وسليمة وان هذا التأثير الذي وجد في الفتيات ما هو إلا من الهرمونات الذكرية التي غلبت على المكان. فإذا قلنا ان الفتيات تأثرن من هذه الهرمونات -التي بالتأكيد لم تخرج كمركبات كيميائية من أجسادهم ودخلت بشكل مباشر لأجسادهن- ولكنها تخرج طاقة ويتواجد تأثيرها خارج جسم الإنسان. فقد تكون للبيئة ومقوماتها من أرض وسماء وجو أيضا لها شحنات وطاقات أو هالة تؤثر على ساكنيه وبهذا تتغير تصرفات البشر تبعا للبيئة التي ينتمون أو يعيشون فيها!

وأكرر قد تكون هذه الفكرة وربطها بتجربة الفتيات و ذوي العضلات صائبة وقد تكون خاطئة!

الأوسمة:

لا أعلم هل هذه الحالة مضحكة أم محزنة؟! أو هي شر البلية ما يضحك!!

لأننا وبكل بساطة مشدودون من كل اتجاه من الأهل، الأصحاب، الطموح، المستقبل، والأحلام. وما أثار ثائرتي صباح اليوم هو عندما أتت لي إحدى صاحباتي وقالت، بأن والدها قال لها مساء الأمس ان تنسى فكرة السفر للدراسة! اقترحت عليها مازحة: انشري طلب في إحدى الجرائد أو محطات التلفزة الدعائية “مطلوب زوج يقبل بالسفر مع وقف التنفيذ!”

قالت جادة: وهذا ما سيحدث!

أنا شخصيا وان كانت هذه الفكرة تلوح على أفق فكري المجنون ولكني أستخف فيها ولا أعطيها حدا يتجاوز الفكاهة والضحك، ولكن من جهة أخرى أجد الكثيرون غيري من بنات و شباب يكررون هذه الفكرة وبكل جدية، بل أنهم صاغوا الطلب والإعلان.

“مطلوب زوج يقبل السفر أو الدراسة بالخارج يتجاوز عمره الـ…، علما بأن الزواج على ورق وسيتم التنازل عن المهر بسريّة تامة”

لا أعلم ان كانت هذه الزيجات ستكون ناجحة أو سيكون لها ثمارها التي تجنى، طبعا ولأنه على ورق لن يكون هناك أطفال وهذا يخفف الوطأة قليلا، ولكن ماذا عن الزوجين أنفسهم وماذا عن احتياجاتهما ورغباتهما والاستقرار الذي يجب ان يؤمنه الزواج. سيكون كل منهم ملزم بالآخر من ناحية التعامل والتعايش، فبالتأكيد أنهما سيعيشان معا تحت سقف واحد. ومن وجهة نظر اجتماعية هذه الفكرة خاطئة ولا نقاش فيها، ومن وجهة نظر شرعية!! لم أسمع بحياتي بزواج مع وقف التنفيذ في أحد الكتب الدينية والفقهية، بل على العكس وما أسمعه كثيرا هذه الفترة هي عن الأنكحة التي لا يكون فيها أي التزامات من كلا الزوجين ما عدا المبيت وما إلى ذلك، وجميعنا يعرف هذا النوع منها وأسمائها وشروطها!

ومن وجهة نظر نفسية، بالتأكيد سيكون هناك ضغط وتعب نفسي من كلا الطرفين وخاصة إذا لم يتحقق المطلوب من هذا العقد أو الشراكة إذ ببساطة ليس كل من سافر للدراسة نجح وأفلح. وفيها أيضا تنازل من الطرفين عن أحد أحلامه وهو الارتباط بالإنسان الذي يشكل معه زوجا روحيا أكثر من أنه زوجا بالمعنى المادي، وفكرة أنه ربما سيعيشان في ثبات ونبات ويعشق البطل البطلة كما في الروايات الرومانسية التي قرأتها والتي تحمل مثل هذه الفكرة – أي الزواج المشروط الغير منفذ- لا تحوي أي واقعية.

قد تكون هذه الحال معضلة بالنسبة لنا كشباب في مقتبل العمر وفي طور تكوين النفس، فنحن مطالبون من أكثر من جهة وان لم تكن التزامات مادية وما يفرضه عصرنا من تعلم ومقدرة وتواكب معه، فهي تطلعات وأحلام وآمال داعبت خيالنا منذ الصغر وننوي وبكل جدية السير في تحقيقها. أي أنه يجب علينا أن نكون أو لا نكون!! ولكن هل ستساعدنا هذه الإجراءات ووقف التنفيذ في أن نكون ونكوّن ونتكوّن؟! هنا مربط الفرس!!

الأوسمة:

الدموع سائل من سوائل الجسم تتواجد في العين لترطيبها وتعقيمها إذ أنها تحوي على الكثير من الأجسام المضادة التي تحمي العين من الميكروبات والفيروسات.

هذه هي فائدة الدموع حيويا، ولكن لو القينا نظرة على فائدتها من الناحية السيكولوجية لوجدنا ان فائدتها أعظم لأنها -ومن وجهة نظري- تفريغ للشحنات السلبية، والحزن والأحاسيس اليائسة. وهذا ما نسميه البكاء. ولان جميعنا يملك أحاسيس ومشاعر وأيضا غدد دمعية، فإننا جميعا نبكي، وأول نشاط حيوي فعلناه عند ولادتنا هو التنفس والبكاء. وبعضنا يقول – وانا منهم- أننا نبكي لنرتاح. ولكن ماذا لو عجزنا عن البكاء؟!

في صغري ولكوني الأصغر من أخوتي والفتاة بين الفتيان كنت المدللة و “فتاة الدموع”! أخذ شخص مني لعبتي، أبكي! لم يشاركونني باللعب، أبكي!! وتم هذا الحال حتى سن كبيرة إلى أن ذهبت للمدرسة، وهناك وإذا ما صادفتني مشكلة ما.. وبالأغلب على ما أذكر بسيطة أو سخيفة كنت أمسك وأتحكم بأعصابي إلى أن أصل للبيت وهناك أفتتح مسلسل الدموع عند والدتي..

وببداية أيام المراهقة، كنت مرهفة الحس سريعة التأثر كحال أي مراهقة، إلى أن حدث يوم شاهدت فيه فلم عن صبي يصارع الفقر للحياة، تأثرت كثيرا وبدأت بالبكاء والعويل ودموع تسري على خديّ، كان أبي لا يزال على قيد الحياة في ذلك الوقت ورآني وأنا أبكي، سألني عن سبب بكائي وغمرني بحنانه وحبه الذي يكفيني لأعيش العمر كله حتى بدون حنان وحب أي رجل آخر. قلت له عن الفلم الذي كنت أشاهده فأخذني من يدي وبدأ يكلمني يفهمني بهدوء وجهة نظره قائلا: الأفلام.. والمسلسلات وجميع هذه المواد تصنع لنا ونحن نشاهدها أو نقرأها لكي تسلينا وتبعد عنا هموم دنيانا.. فإذا تابعناها وزادت علينا الهموم فما الفائدة إذن.. فليبق كل شخص بهمة فهم كل واحد يكفيه ولا حاجة للزيادة. ومن هنا وعدت والدي ومن قبله نفسي أني لن أبك على شيء لا يستحق مثل قصة أو مسلسل كئيب أو حتى فلم كفاح.

بالحقيقة لم أفهم المغزى من كلام والدي إلا بعد فترة حين بدأ المرض يتسلل ويتلاعب بجسده، وعاش ثلاث سنوات مع المرض وأربعة أشهر مع الجلطات الدماغية التي أفقدته حاسة البصر والحركة، كنت في نهاية الصف الأول ثانوي أقدم الاختبارات النهائية من الفصل الدراسي الثاني، وكان قد بلغ به المرض لحد وصل به أنه لا يقوى على النوم في غرفته أو استقبال احد أهله وزائريه وهو جالس على كرسي، فلذا خصصنا أحد المجالس له ووضعنا له سريرا خاصا. كنت أجلس أذاكر بجانب سريره أراه يعاني ويجاهد للحياة، أنهي دراسة المواد التي سأقدم الاختبار فيها وفي بالي شك بأني سأقدر على ذلك. لم أكن أبك لأني أعلم بأني لو بكيت سأخسر.. ولن أستطيع التركيز في المذاكرة. كنت كل ليلة أدعي الله فيها أن يوفقني بالاختبار ويرحم والدي من هذا العذاب مع المرض. تزورنا أختي الكبرى وتغادر البيت باكية، وفي المستشفى.. كان الكل يبكي وانا أظل ساكته وكأني لست معهم لأني لم أصدق أو استوعب ما حصل.

وعندما توفى –رحمه الله- عصر يوم الاثنين الثالث عشر من سبتمبر عام 2004 كان ثالث يوم من العام الدراسي الجديد، جلست عصرا وكان البيت خاليا وانا أعلم بذلك مسبقا كنت انتظر المغرب يحين حتى أذهب مع أخي مصطفى لزيارته، جاءتني زوجة أخي وأخبرتني بالنبأ لم أستوعب قمت عنها وذهبت لغرفته أو للمجلس الذي جعلناه غرفته، وجلست على السرير الخاص للمرضى لم تنزل غير دمعتين أو ثلاث، وصلت أختي ولأنها كانت في حالة يرثى لها لم أجد منها أي مواساة، وصلت عدد من نساء عائلتي ولم تصل بعد أمي. وعندما وصلت جاءتني ضمتني إليها قلت لها: لا أريد أن أبكي يجب عليّ أن لا أبكي.

مرت فترة العزاء ولم يخرج من عينيّ إلا دموع قلائل، غير اني كنت متعبة وأعاني من أزمات حادة في الربو. مرت الأيام وإذا بي أكتشف نفسي بأني لا أستطيع البكاء! أغضب وتثور ثائرتي مرارا وتكرارا في مواقف جديرة بالبكاء بدل الغضب. لا أبك إلا في حالتين.. الأولى هي حضن أمي، أو حتى صوتها حين تسألني بالمكالمة الهاتفية: فيك شيء؟ أو ما الخطب؟ وأنا حاليا بعيدة عنها وهي مشغولة بعض الشيء عني، أو لأني قد أعجز في بعض الأحيان عن توصيل السبب الوجيه لرغبتي بالبكاء فابعد نفسي عن حضنها لكي لا أسبب لها الحيرة والخوف، والحالة الثانية.. -وأنا أشعر بالإحراج منها- سبب تافه حقير.. يبكيني!! ولكن بكاء لا ينفع لأنه بأسباب غير جديرة بالذكر. ربما تكون هذه هي تركيبة نفسي أبكي للأسباب التافهة أما الأسباب الحقيقية والتي لها الأثر العميق أفعل أي شيء وكل شيء بالمشاعر التي تجتاحني والتي تشحن بها روحي لكي أخرجها إلا البكاء وهذا مالا أقدر عليه. وربما أني استطعت أو كيّفت نفسي في زمن ما أن أكون صلبة أمام المواقف الصعبة ولم أستطع بعدها أن أترك هذا التكيّف!

البكاء راحة، عندما تبكي ساجدا خاشعا لله عند الله هذه قمة الراحة، وبسبب الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء فهذا البكاء لا يقدر عليه أي شخص إذ يجب عليك ان تصل لمستوى من الخشوع والاتصال الروحاني مع الله عز وجل. عندما تبكي فرحا فهي بالتأكيد راحة، وعندما تبكي حزنا فتأكد أنه من حقك عليك لكي تزيح عن نفسك بعضا من ما يضايقها. لذا، فابك ما دمت تقدر على البكاء ابك.

الأوسمة:

آه يا بحر آه..

كيف يذكرنا الأحباء وأنا لهم الماضي

إذ نحن للماضي نسيناه

آه يا بحر.. آه

هل تقدر حمل همي..

أم لا.. ..

يا بحر أحببته بإخلاص..

ولكن ضاعت بين أمواجك

كل محبته .. وصحبته..

وحتى آخاه..

ولربما تذكره يا بحر..

فقد كنت ألعب معه هنا.. على شاطئك..

بالرمال.. والمياه..

كنا أطفالا صغارا

لم نعرف معنا للهوا ولا للآه..

كنا بالنهار نجمع الأصداف..

وبالليل كنا نغني.. للفرحة وللحياة..

وهكذا كانت حياتي..

إلى أن سمعت قصة

ضيعت ما كنت أتمناه..

كانت جدتي..

أيام الصبا..

حورية ..

تلعب بين الرمل والمياه..

وكانت تلتقي ..

بجده.. فتى

يفتخر بصباه..

كانا رفيقين مثلنا ..

إلا أن والدها.. وأباه..

خصمان.. تعاركا

ولم يكن لمعاركهما

أشباه..

فحرمت جدتي من الخروج..

ومن اللعب فوق المياه..

إلى أن ذهب كل منهما..

باتجاه..

وعندما انتهى سرد القصة..

خرجت مقاومة دموعي..

وقلبي يصرخ.. آه يا حبيبي.. آه…

حكم بما كان أخشاه..

بعد الآن لن يراني ولن أراه..

سأبقى بعيدة عنه

وعنك يا بحر

إلى أن يذهب كل منا باتجاه..

وعندما في يوم ما أره..

سيحرم علي تذكر..

حبي له..

وسيحرم عليه.. أن تحادثني..

عيناه..

الأوسمة:

أيام من حيــاتنا

مارس 2008
س د ن ث ع خ ج
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
293031  

أهم النقرات

  • لا شيء